مساء العُمر.. بقلم - محمد فاروق
أشرقت شمس الحياة وقضيت في ضحاها أياماً سعيدة مليئة بالمرح واللعب والسعادة وربما بعض المشكلات البسيطة وما إن انتصف النهار وعشت ايام الشباب الجميلة المفعمة بالأحاسيس الصادقة والآمال العريضة والجهد والكفاح ، صداقات عديدة ورحلات متميزة ومعارف جديدة وانتصارات هائلة وانكسارات ساذجة ، فهذه المرحلة العمرية لا تدانيها أو تشبهها أى فترة من فترات العمر فالشباب قوة روحية وجسمانية وسعادة وراحة ومغامرات وخبرات فالالتزامات قليلة والمسئوليات بسيطة والحياة متوهجة أبسط شيئ يسعدني ،الأصدقاء من حولى كثيرون وكلنا متشابهون فى المشاعر والآمال والآلام ويشد بعضنا ايد بعض لا يسعنا النهار ضحكاً ولعباً ونقاشاً فنغتنم معظم الليل ويتكرر الأمر دون ضجر أو ملل.
تمضي الشهور والسنون وتتسلل مرحلة عمرية جديدة تزداد معها المسئوليات والالتزامات وتقل معها الصداقات وتتغير الأحلام وتتحدد الآمال وتتمحور الحياة حول الأسرة والأبناء وتتراجع احتياجات وضروريات النفس إلى مرتبة ثانية في الأهمية.
ومع مساء العمر أعيش حياة مختلفة كل الاختلاف عن المراحل السابقة فالأمنيات صارت قليلة والأحلام أصبحت بسيطة والأصدقاء يُعدون على أصابع اليد الواحدة ، واللقاءات صارت نادرة ، اهتماماتي بالتفاصيل صارت معدومة ، أصبحت أراعي أشياء لم أكن أراعيها وصرت أخجل من ارتداء ألوان لم تعد مناسبة رغم اعجابي بها ، قضايا جذبت اهتمامي لم أكن أفكر فيها من قبل ، صرت قنوعاً بأبسط الأشياء راضياً ببعض كلمات ، لم يعد للمال ذلك البريق الآخاذ رغم الحاجة إليه ، لم أعد سريع الغضب أو الانفعال كما كنت زاد هدوئي الذي لازمني منذ الصغر ، أصبحت شديد التأثر بل تدمع عيني لأشياء كنت فيما مضى أراها بسيطة ، ربما يؤرقني ضميري ولا أبات ليلتي لكلمة قلتها لأحدهم دون قصد ، الجلوس منفرداً هادئاً لأوقات طويلة أصبح من عاداتي المحببة إلى نفسي ، أودُّ لو أساعد الجميع وأحل مشاكل الجميع وأقدم النصح للجميع ، تزعجني فكرة حاجة أبنائي إلى الدعم والمشورة بعد رحيلي ، أصبحت أمنيتي العظمى أن يمن الله عليَّ برضاه وأن تكون صحتى مساوية لما تبقى من العمر.