قصة قصيرة جداً.. بقلم - محمد فاروق
كم كانت قسوة الحياة على هذا الشاب فقد مات أبويه فى صغره وقامت جدته بتربيته فى ظروف معيشية شديدة القسوة فالمسكن متواضع والدخل لا يكاد يكفي ضروريات الحياة ومع ذلك كان راضياً صابراً كله أمل في حياة مستقبلية أكثر راحة واستقرار، ولكن حدث ما لم يكن يتخيله أو يتوقعه . . . ماتت جدثه ماتت كل ما له في الحياة ماتت ملاذه ومؤنسته في الحياة.
سيطر عليه الحزن واليأس وأنزوى في مسكنه ولم يعد يخرج مطلقاً معتمداً في طعامه على أهل الخير من الجيران ، ومضت سنوات قليلة وهو على هذه الحال حتى شك بعض من يزوره من الجيران في قواه العقلية وأنه أصبح بقايا إنسان يحيا دون أمل أو هدف في هذه الحياة.
وبعد هذه المعاناة وهذه الأحزان بدأت الحياة تبتسم لهذا الشاب فقد تعرف على إحدى الفتيات التى شعرت بأوجاعه وتأثرت بحاله بل أكثر من ذلك لقد بادلته العاطفة ، فقد ارتبط بها ارتباطاً وثيقاً فلا تختفي صورتها من أمام عينيه عندما يكون وحيداً يأنس بها ويتحدث معها ولا يتركها حتى في منامه وعندما يراها يخجل أن ينظر إليها فيتحدث إليها وهو ينظر إلى الأرض فتتعجب من فعله وتنفعل أحياناً متسائلة لماذا لا تنظر إليَّ وأنت تحدثني ؟ ولكن كان خجله يحجبه عن الإجابة فكانت تبتسم من ذلك الخجل الذي لا يعرفه كثير من شباب هذا العصر ، عاشا الإثنين أوقاتاً سعيدة على الرغم من التفاوت الإجتماعي والمادي فضلاً على الإختلاف الثقافي والعلمي وجميع المقارنات تصب في صالحها ومع كل ذلك فقد حباها الله جمالاً آخاذ يجذب إليها كل من يراها.
أصبحت حياته مليئة بالسعادة والأمل في غدٍ مشرق يمسح كل الأحزان والآلام الماضية ، والشيئ الوحيد الذى كان ينغص عليه هذه السعادة هو خوفه أن ترفض الإرتباط به ، ولكن اكتملت سعادته ووصلت لأفاق عليا حينما فاتحها في أمر الزواج الذى وافقت عليه على الفور دون أمر أو شرط وهنا تهللت أساريره وانشرح صدره وتعالت الضحكات من فمه وقلبه وأخذ يعد الأيام والليالي والساعات على ليلة العمر وتحقيقه أمل كان بعيد المنال مستحيل الحدوث ولكنه الآن أصبح واقعاً حقيقياً لا يفصل عنه سوى أيام وساعات قليلة.
ويوم زفافه لم ينم ليلته وأخذ يتذكر كل ما مر به من ألم وحزن نتيجة فقد أبويه في صغره وحرمانه من عطفهم ودفء الحياة بينهم ثم رحيل جدته وما صاحبه من اكتئاب وضياع نفسي وانعزال عن الحياة ، ولكنه كان يمني النفس بحياة قادمة كلها سعادة وسرور فقد أخذ نصيبه كاملاً من الحزن والشقاء ولا يتبقى له إلا الهناءة والسعادة.
بعد آذان المغرب ارتدى ملابس الفرح وخرج من مسكنه فنظر إلى الشارع وكأنه يراه لأول مرة فكل شيئ مختلف وكأنه غريب عنه ، استوقف سيارة أجرة وجلس في المقعد الخلفي مبتسماً للسائق أنا فرحي انهاردة ، فرد عليه السائق مخفياً ابتسامة ساخرة من ملابسه : ألف مبروك . . . ثم ما أن لبث السائق أن سأله : إلى أين يا عريس ؟ لم يجب الشاب . . . ونزل عليه السؤال كالصاعقة وظهرت عليه ملامح الارتباك وأخذ يحلق في سقف السيارة لا يعرف الجواب . . . ومرت الأحداث أمام عينيه سريعة عشوائية فهذا صوت جدته يدعوه ليفق من غفوته ومنظر أمه وهى تودع الحياة ثم يسمع صوت أبيه يدعوه ليعد إلى رشده وصوابه ، وهنا أجهش بالبكاء بصوت مكتوم حتى لا يسمعه السائق وكأنه أفاق من غفوة كبيرة . . . فما هذه الفتاة إلا من وحي خياله كمحاولة للهروب من الواقع الحزين ومحاولة ادخال السعادة والسرور ولو من خلال تهيئات وأفكار . . . وعندما ألح السائق في السؤال إلى أين يا أستاذ ؟ قال بصوت لا يكاد يُسمع . . . عُد إلى المسكن. . .