أنباء اليوم
الجمعة 8 نوفمبر 2024 05:05 صـ 6 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

هؤلاء الذين يزعجونك.. هم أكثر من ينفعونك

قلم رصاص
قلم رصاص

يحكي لنا الابن القصة، قصة فيها عظة وعبرة، يحكي ويقول:

كان أبي إذا دخل حجرتي ووجد المصباح مضاءاً بينما أنا خارج الحجرة نهرني وتعجب من إهدار كهرباء في حجرة تخلو من ساكنيها، وإذا دخل الحمام ووجد قطرات مياه تخرج من الصنبور بعد غلقه نهرني واتهمني بعدم الاتقان في إغلاق الصنبور.

كل أهمال مني كان يقابله أبي بموقف ورد وتوبيخ، مرت السنوات وأنا وأبي على هذه الحالة، تخرجتُ من الجامعة وبدأتُ الرحلة المعتادة في البحث عن فرص عمل، قَدمت على عدة وظائف حتى جائني اتصال من شركة كبيرة تحدد يوماً للمقابلة،

في اليوم المنتظر استيقظت مبكراً وتهيأت بملابس أنيقة وعطر جذاب وذهبت وكلي أمل في الحصول على الوظيفة لتكون بداية الاستقلال والابتعاد عن أب أتعبني نظامه وأرهقتني دقته وأزعجني تدقيقه،

كان أبي في هذا اليوم مريضاً، مرضه لم يمنعه من الدعاء لي وحثني على التفاؤل، هكذا هم الأباء يمارسون دورهم في السراء والضراء، قبلت يده وخرجت وفي نفسي غصة من نصائحه وأوامره،

ذهبت إلى الشركة في الموعد المحدد، وعندما وصلت لم أجد موظفاً يستقبلني أو حارساً يوجهني، فقط لوحات إرشادية ترشدني إلى مكان المقابلة، أول باب فتحته بمقبض غير مستقر في مكانه ولو قسوت عليه لخرج في يدي، الباب يفتح على حديقة صغيرة، خرطوم مياه تخرج منه المياه بقوة ولا أحد بجانبه،

يبدو أن الحارس نسى الصنوبر مفتوحاً والمياه ستغرق المكان، بطريقة عفوية تتبعت مسار الخرطوم حتى وصلت للصنوبر وأغلقته..! دخلت من باب آخر لأجد ممرات تشتعل بأنوار مصابيح كثيرة جداً، ولا أحد في الممرات، بطريقة عفوية اقتربت من مفاتيح الكهرباء وأغلقت أكثرها..!

يبدو أنني جئت هنا لأقوم بعمل حارس مهمل، بداية عجيبة لا تبشر بخير ولا تتناسب مع شركة كبيرة. صعدت السلم الذي قابلني ووجدت على درجاته أوراق متناثرة، بطريقة عفوية لممتها ووضعتها في سلة للمهملات وُضِعت على استحياء في أعلى السلم..! دخلتُ من الباب لأرى عددا من المتقدمين لشغل الوظيفة، جلست بجانبهم بعد تسجيل إسمي، من أحاديثهم الجانبية عرفت أن فيهم من يملك شهادة أفضل من شهادتي وخبرة تفوق خبراتي، المشاهد من بدايتها غير مريحة ويبدو أنها ستكتمل بوجود منافسين أفضل مني شكلاً وموضوعاً،

الغريب أن كل متقدم للوظيفة كان مقابلته لا تستغرق دقيقة واحدة وسرعان ما يخرج من الباب وعلامات الضيق على وجهه، حتى جاء دوري فدخلت وسلمت على مسؤولي الشركة وجلست أمامهم، ابتسم واحد منهم وسألني: متى ترغب في استلام الوظيفة..؟! الدهشة تملكتني وفتحت فمي وسرعان ما أغلقته لألتقط كلمات تسعفني،

قلت لهم وأنا في حالة ذهول: “بعد إجتياز الاختبار”، رد واحد منهم وقال: “أنت اجتزت الاختبار بالفعل” رددت: ” كيف؟ ”

رد وقال: اختبارنا ليس سؤالاً لكن واقعا تعيشه وقد عشته أنت بنجاح كبير، نريد شخصاً أمينا على مقدراتنا ويقدر قيمة النظام ويتعامل بقسوة مع الفوضى، نحن معك منذ وطئت قدماك أعتاب الشركة، الكاميرات تراقبك وتشهد على دقتك وحرصك ونظامك وإيجابيتك وقيامك بإصلاح كل شيء وضعناه عن عمد في طريقك حتى وصلت إلى هنا، ستكون أمينا على وظيفتك وشركتك ستكون أمينة معك، ألف مبروك.
الدرس الأهم.. هؤلاء الذين يزعجونك هم أكثر من ينفعونك..!!